الكاتبة نادية صالح
ننقل لكم هذه القصة التى تقصها الصحفية والكاتبة نادية صالح ” الكاتبة بصحيفة الفجر الاسبوعية “
القصة واقعية وبعنوان ” يقينا.. مازال الناس في مصر بخير ”
كلنا.. وأقول كلنا.. لأننا وبلا استثناء نعيش -هذه الأيام-
حالة من فقدان الثقة في أنفسنا، وفي كل من حولنا، بل ونصرخ كثيرا وبأعلي
صوت «الناس جرالها إيه؟» كل يعيش في جزيرة منعزلة يحيطها بالأسوار
والأشواك حتي لايقترب منه أحد، والأعصاب مشدودة وتحت الرماد نار نستشعر
صهرها أحيانا، ولكن تشاء الأقدار أن تضعنا أحيانا أمام اختبارات قاسية
تجعلنا نعيد الحسابات وندرك ما لم نكن نراه حينما تكون الحياة ملء أيدينا
«والدنيا ماشيه كما يقولون» أيها السادة.. لقد عشنا فترة طويلة أو علي
الأصح اقتربت من الموت فترة طويلة «فجر» يوم الجمعة قبل الماضي عندما
استيقظت للصلاة ووجدت نفسي في حالة إعياء كامل، ولأن بيتي بالقرب من
شيراتون القاهرة وبيت ابني بالقرب من شيراتون المطار، فكرت في الاتصال
بجارتي العزيزة السيدة إيمان العبد حرم المهندس أحمد عبدالوارث، ولم يكن
هناك مستيقظ في أسرتها يذاكر استعدادا للامتحانات إلا «محمد» الابن الأصغر
لعائلة عبدالوارث والطالب بالجامعة الأمريكية، ورنت في أذني ومازلت أذكر
عبارته التي امتلأت رجولة وشهامة «ماتخافيش ياطنط.. أنا حاتصرف»
وبالفعل وبسرعة البرق كان «محمد» مع حراس العمارة «شعبان وحبشي وسعودي
ومحمد، يدقون الجرس، وعندما منعني الإعياء من فتح الباب ومضت فترة طويلة
تجمع فيها «محمد» العزيز وشقيقته «راوية» وكانت تستذكر مع صديقة لها..،
وتصوروا أن والدة الصديقة عندما عرفت ما يجري جاءت بسرعة، وانضم إليهم عدد
من الجيران عندما أيقظهم صوت دقات الباب الذي اضطروا لكسره بعد أن
استدعوا الإسعاف لإنقاذني ونقلي إلي مستشفي مصر الدولي المجاور لمنزلي،
والحمد لله.. أنا يخير وكل شيء راح لحاله كما يقولون، ولكن.. وتحت هذه الـ
(لكن) لابد أن أضع ألف خط لأن هؤلاء الجيران والرجال والسيدات الذين
أعرفهم منذ عامين فقط تقريبا، تسابقوا بكل الشهامة والحب لإنقاذي جارتهم..
وكان حراس العمارة ورجل الإسعاف صورة طيبة للمصري ابن البلد «الجدع» الذي
يعمل بجد ودون مقابل فعلا إلا لوجه الله ووجه الشجاعة ووجه مصر الطيبة،
لقد توالت عليَّ زيارات المودة من جيراني الطيبين ومازالت تصلني دعواتهم
وتهنئتهم ولهم جميعا كل الشكر وأصدق دعواتي لهم بالصحة والعافية
لقد وضعتني هذه الليلة أمام حقيقة أردت أن أعلنها علي حضراتكم لأنني علي
يقين أننا جميعا بدأنا نفقد ثقتنا بأنفسنا وبشهامتنا ولكن -والله العظيم-
الدنيا بخير.. فقط قدموا السبت لتجدوا الأحد والاثنين وكل الأسبوع أمامكم،
ويقينا مازالت الناس في مصر بخير.. والاستثناء من هذه القاعدة قليل مهما زاد وأدهشنا حدوثه